الأربعاء، 1 مارس 2017

كلمة الجنرال الامركي " بول فالليلي " بمؤتمر " فلداي " في العاصمة الروسية موسكو على الشرق الاوسط عموما وسوريا

_ أصحاب السعادة ، حضرات السيدات والسادة ، الضيوف الكرام ، والمسؤولين الحكوميين في روسيا :

بعد الفوز الساحق والغير متوقع الذي حققه الرئيس" ترامب " في الإنتخابات الرئاسية في أمريكا ، قامت إدارة " أوباما " بعرقلة بعض الأمور في الداخل الأمريكي ، وذلك بفرض عقوبات على روسيا ، وطرد الدبلوماسيين الروس من أمريكا ، وصولاً إلى استقالة مستشار الرئيس للأمن القومي الجنرال "مايك فلين " بعد أقل من ثلاثة أسابيع على توليه منصبه ، وكل ذلك بهدف ضرب مشروع الإدارة الجديدة في تحسين العلاقات مع روسيا .

فبعد انتصارنا المشترك في هزيمة النازية سنة 1945 ، أرى اليوم مناسبة جيدة لاستعادة لحظة من التاريخ الماضي ، والتاريخ الحديث والتحدث عن الأخطار والتهديدات المشتركة ، لنتعاون معاً على اتخاذ القرارات الاستراتيجية في المستقبل ، إن القوة في عالم الاحتراف ، تأتي دائماً من خلال الأخذ بعين الإعتبار بوجهات النظر المختلفة ، ولاشك بأننا نختلف عن بعضنا البعض من المنظور التاريخي ، فجميعنا لديه ثقافته الخاصة و تاريخه المختلف ، سواء كان ذلك في الماضي أو في الحاضر ، وعلى كل حكيم وعاقل أن يحترم ويراعي ثقافة وتاريخ الآخرين .

وبعد ما يقارب من ال70 عاماً من هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية ، ومع المحاولات العديدة التي دفعت لتغيرات عديدة في بلدان أخرى ، أدت فيما بعد إلى توترات إِبانَ الحرب الباردة ، حيث تدهورت العلاقات بدلاً من تقدمها ، فالمشاكل اليوم الناتجة عن الفوضى السياسية ، والعرقية والدينية والاجتماعية تزداد تراكماً في هذا عالمنا هذا ، وهذا يحتم علينا أن لا ننسى الماضي والحروب السابقة ، ونتعلم بأن التنسيق والتعاون فيما بيننا هما الطريق الأقرب لخياراتنا الاستراتيجية ، وهما الأفضل من أي صدامات فيما بيننا .

إن الأحداث في الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية قد أثارت العديد من الصراعات الأيديولوجية ، إذ أنها استبدلت الحياة الاجتماعية واليومية بالعنف والكوارث اليومية . ومن الطبيعي ، أن نشاهد بعض شعوب العالم وهي ترغب بالتغيير ، طمعاً منها بمستقبل أفضل وهذا حقها ، لذا علينا أن لا ننكر لها هذا الحق وأن نؤمن به وندعمه قدر المستطاع ، فالتدخل العدواني والتلاعب في مصير تلك الشعوب قد أدى إلى تدمير المؤسسات الوطنية لتلك البلدان ، والعديد من البلدان الأجنبية ، وقد أدى تدخل بعضنا المنحاز إلى فوضى عارمة في بلاد الشام بشكل خاص ، وفي الشرق الأوسط وأفرقيا الشمالية بشكل عام ، مما أنتج لنا عشرات الآلاف من المتطرفين الشعية العرب وخصوصاً الذين يدعمهم الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا ولبنان ، فضلاً عن عشرات الآلاف من الشيعة المتطرفين الذين جندتهم إيران من باكستان وأفغانستان ، ومما أوجب في المقابل ظهور المتطرفين والمتشددين من أهل " السُنَّةَ " ، لمواجهة هذا التدخل الغير مسؤول ، والذي يسعى إلى إعادة رسم الخرائط من جديد ، من خلال التلاعب بتلك الدول وشعوبها ، والرهان على رسم جديد للخارطة الجغرافية التي اعتمدتها إتفاقية " سايكس _ بيكو " أوائل القرن الماضي ، مما زاد في خطورة الأوضاع وتعقيدها في عموم منطقة الشرق الأوسط ، وما يجري اليوم في سوريا من حرب ودمار خير شاهد على ما ذكرت ، والادعاءات الكاذبة التي تتهم الولايات الأمريكية المتحدة بتماهيها مع المجموعات المتطرفة لتحقيق مصالحها وأهدافها السياسية ، لا أساس لها ، وهي مرفوضةً جملةً وتفصيلاً ، فالدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لا يليق بها أن تحقق مصالحها عبر المجموعات المتطرفة ، وإنما تحققها عبر الأنظمة الشرعية الحاكمة حصراً .

إننا نرى أنه من الصعب جداً اليوم ، بأن نغض الطرف عن العنف والجرائم التي يرتكبها نظام الأسد ضد شعبه ، فقد وصلت الأمور إلى الحد الذي لا يقبله أي إنسان يمتلك شيئاً من الرحمة والإنسانية ، فلدينا اليوم في سوريا أكثر من مليون قتيل سوري ، سقطوا فداءاً لحقوقهم المشروعة التي سلبها منهم نظام الأسد على مدى 50 عاماً ، فضلاً عن أكثر من 500 ألف معتقل سياسي زُجَ بهم في السجون ولا أحد يعرف شيئاً عن مصير غالبيتهم ، إضافةً إلى أكثر من 9 مليون لاجئ سوري ، تم تشريدهم قسراً ليصبحوا لاجئين في جميع أنحاء العالم ، وقد تحققت شخصياً ومعي فريق عملي من هؤلاء اللاجئين السوريين ، وذلك عند وصولهم للنمسا ، وقد كان وضعهم مأساوي وحزين للغاية ، لذا يتوجب علينا جميعاً التعاون فيما بيننا لإنهاء المأساة السورية في أسرع وقت ، وهنا لا بد من الإسراع في إنشاء مناطق آمنة في سوريا ، كي تسمح للاجئين بالعودة لبلادهم وهم مطمأنين ، وعلينا أيضاً أن نساعد الشعب السوري ليعيش بسلام بعيداً عن قسوة الحرب والعنف ، نحن لا ننكر بأن روسيا كانت وبإستمرار تكافح الإرهاب بكل أشكاله ، ومع ذلك فنحن نتمنى على روسيا أن تساعد في حل الصراع السوري عبر تسوية سياسية موضوعية ، والتوقف عن دعم طرف سوري صغير على حساب طرف أكبر ، والوقوف على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب السوري ، فدعم طرف على حساب آخر لن يحل القضية ، وسوف يطيل الحرب ويزيدها تعقيداً ، ومن وجهة نظرنا فإن محادثات " الاستانه" في كازاخستان ، كانت تتضمن المصالح التركية الإيرانية أكثر مما تراعي مصالح الشعب السوري المنكوب ، ومن الخطأ الإعتقاد بأن تهميش الشعب السوري وتجاهل مصالحه ، ربما سينهي حالة الحرب ، في نفس الوقت الذي كانت فيه محادثات مؤتمر أستانه جاريه لتثبيت وقف إطلاق النار ، كان نظام الأسد يكثف غاراته ضد المدنيين في العديد من المدن السورية ، ويقوم بتطهير عرقي حسب بعض التقارير كما حصل مؤخراً في وادي بردى ، بهدف تهجير السوريين من منازلهم ودفعهم للنزوح إلى مناطق أخرى في الشمال السوري أو النزوح خارج سوريا ، إن سوريا وجوارها لن تنعم بالسلام طالما أن نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم الطائفية يمارسون بحق الشعب السوري قمة الوحشية والاجرام الممنهج .

لذا نقول لكم اليوم :
إن الأسد يجب أن يحال إلى التقاعد ، حتى يتم فتح الطريق أمام المصالحة الوطنية في عموم سوريا ، تمهيداً للأمن والاستقرار في هذه البلاد التي أنهكتها إيران بحروبها الطائفية عبر ميليشياتها المنتشرة في سوريا ولبنان والعراق واليمن ، ويجب عدم السماح لكي تصبح سوريا وغيرها من دول المنطقة ، عبارة عن حقل تجارب واختبار للمشروع الإيراني ، ولهذا فإن إيران مطالبةٌ اليوم وقبل غداً ، بسحب كافة قواتها ومليشياتها التي استقدمتها للقتال في سوريا دعماً لمشروعها التوسعي ، حتى نتمكن من القضاء على تنظيم داعش وطرده خارج المنطقة برمتها ، والعكس الافتراضي غير صحيح ، بل سيزيد من فعالية تنظيم داعش في الإقليم وعموم الشرق الأوسط .

_ وأعود وأكرر أن على روسيا اليوم العمل على إزالة الأسد سلمياً ، ومساعدة سوريا لتتعافى من جراحها ، ويجب أيضاً على روسيا والولايات المتحدة الأمريكية أن تعزز تقاطع المصالح بينهما ، ويبتعدا قدر المستطاع عن أي شيء من شأنه أن يؤثر سلباً على المصالح الاستراتيجية المشتركة بين الطرفين .
إن الحرس الثوري الإيراني وتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) في سوريا ، يشكلان تهديداً مباشراً لمؤسسات الدولة السورية ، ويجب التحرك الفوري ضد كلاهما ، وهناك خطة موضوعية متكاملة لاستعادة الدولة السورية ، وهذه الخطة كفيلة ببقاء الأقليات وجميع المكونات السورية بعيدةً عن الاقتتال والحروب والعنف فيما بينها ، لذا أتمنى على كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بالتحرك والتنسيق معاً في هذا الاتجاه .

أيها الزملاء الأعزاء ، لا زال لدينا هدف رئيسي لضمان السلم والاستقرار في العالم ، من أجل عالمً أفضل للجميع ، فنحن دائماً بحاجة إلى أن نتعلم تجنب المواجهة ، حتى نحافظ على ديمومة التعاون الاستراتيجي بيننا .

شكرا جزيلا لكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق