في اكثر من تحليل سياسي في الولايات المتحدة والغرب كان هناك قاسم مشترك أن الحرب في سورية وامتداداتها الداخلية
والإقليمية والدولية غيرت في قواعد الأشتباكات الدولية وعبثت بما هو مستقر
من الخطوط والحدود والأتفاقات الدولية وكشفت ما هو مستور من الخلافات التي كانت تحت الطاولة فصارت فوقها .
الحرب في سورية والتي حولت الصراع من السياسة الى الدين غيرت ما حولها وما في العالم متجاوزة الحدود التي استقرت بعد الحرب العالمية الثانية .
الديمقراطية كنظام تبنته أنظمة الغرب الديمقراطي تراجعت لصالح حكام طغاة
ولصالح ديكتاتوريات عسكرية حاصرت
الفكر الحر وزورت شعاراته ومارست القمع
والقتل .
الاستقرار الذي ساد مناطق الشرق الأوسط
تحول بعد الانفجار السوري الشعبي ضد نظام فرض الأحكام العرفية لمدة نصف قرن والذي تطور الى حروب داخلية وفوضى والى مخاوف من تجدد ذلك في دول كانت تتباهى باستقرارها ا.
اتفاقية سايكس- بيكو بعد الحرب العالمية الثانية والتي رسمت حدود دول الشرق الأوسط متجاهلة الوجود البشري المتنوع
ووزعته على دول متعددة أصبحت غير صالحة وكشفت الحرب السورية هشاشة هذه الحدود وعدم واقعيتها .
الحرب السورية دفعت بملايين المهجرين
الى أوروبا ولان هذه الجموع في أغلبيتها
كانت إسلامية فإنها شكلت تهديدا لاوروبا
التي استعادت معها الشعور بالخوف الديني والقومي وحتى الحدود المفتوحة في الاتحاد الاوروبي لم تعد مفتوحة ووضعت الدول الحواجز للحيلولة دون هذه الموجات البشرية فعاد الى أوروبا الشعور بالحاجة الى التميز القومي والديني وتزعزعت أسس الاتحاد الاوروبي لصالح العودة الى عصر القوميات والذي
اعتقدت انها غادرته مع الاتحاد الاوروبي .!
بريطانيا استعجلت الخوف قبل غيرها فنجح معسكر الانفصال عن أوروبا والذي كان من اسبابه الخوف من هجرة السورين وغيرهم اليها من باب الاتحاد الاوروبي المفتوح .
مجلس الأمن الدولي الذي كان قيامه
لضبط الانفجارات والنزاعات الدولية ووضع الحلول لها فشل في حل المسألة السورية
ولَم يضبط الحرب فيها بل انغمست دوله الكبرى فيها ولَم يعد صالحا لأي حل مع
وجود الفيتو من هنا او هناك .
ومع القتل المباشر المتعمد في ساحات القتال في سوريا وفِي سجون النظام ومع
سياسة الارض المحروقة بالطائرات والبراميل والكيماوي ومع التصفيات المتبادلة على الهوية من أطراف النزاع
تراجعت حقوق الانسان الى درجة لا مثيل لها في التاريخ .
الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن
حول اَي حل أو اتفاق للمسألة السورية يعني انهما استأنفا الحرب الباردة من الباب السوري ضد نظام القطب الواحد الذي ساد العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي .
الصين لا تريد معاداة الغرب ولا الحرب معه
وذهبت بديلا عن ذلك الى التجارة معه وحققت ا رياحا هائلة وكل ما تريده من استعمال الفيتو في المسألة السورية هو دور محترم في النزاعات الدولية وفِي لعبة
المصالح والنفوذ شريكة لا تابعة وفِي هذا تلتقي مع روسيا بمواجهة نظام القطب الواحد .
روسيا المفجوعة من فقدان دورها مع سقوط الاتحاد السوفياتي طرحت شعارا بديلا هو الولايات المتحدة هي الاول بين متساوين لا القائد بين اتباع وطالبت بمناطق نفوذ في سوريا واوكرانيا وصار لها مصلحة داخلية في سياسة تحدي اميركا دون الاقتراب من الصدام معها وهو سلوك له مؤيدون في الداخل الروسي القومي المتحالف مع الكنيسة وعليه يعتمد بوتين
في استدراج التأييد الشعبي .!
الوحشية والكراهية الدينية المتبادلة في الحرب السورية أدت الى نوعين من الحروب .:
بين السنة والشيعة في البيت الاسلامي
ايران بحجة نجدة العلوين دفعت بجيشها وميليشياته الى سورية واعتبرت ذلك فرصة
لامتدادها الفارسي من ايران الى جنوب العراق الى سورية فلبنان.
تركيا التي كانت على أحسن حال مع نظام الأسدين وجدتها فرصة لتحقيق ثلاثة أهداف دفعة واحدة معاقبة أوروبا على رفضها انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي
بإرسال وتسهيل هجرة السورين اليها لتهديد نسيجها الوطني .
ووجدتها فرصة لزعامة العالم الاسلامي السني في إطار الحلم التركي القومي التوسعي العثماني متحالفة مع الاخوان المسلمين .
تركيا استغلت الحرب السورية مدعية تأييد المعارضة ولكنها تريد أمرين :
السيطرة على شمال سوريا بحجة نجدة الثورة وفِي الحقيقة للسيطرة على حركتها وحرفها من معاداة النظام الى مقاتلة الأكراد .
داعش التي دخلت على خط الازمة مدعية نجدة الاسلام هي في الواقع امتداد لحركة ابن لادن الوهابية التي تريد اعادة الحرب الصليبة ونشر الكراهية والتعصب ومن اجل ذلك ضربت اميركا ولَم تضرب اسرائيل وبمختلف الاحوال فان اميركا ازاء داعش وأمثالها تخوض حربا عالمية جديدة استبدلت فيها البعبع الشيوعي بالبعبع الاسلامي.!
داعش هي نفس ابن لادن وطالبان مع تبديل في مركز الخلافة من أفغانستان الى سوريا والعراق واعتمدت في حركتها على
عنصرين الوحشية المفرطة وقطع الرؤوس
وهدم الآثار وعداء الأديان وأسلوب الجهاد الديني لاستعادة الماضي معتبرة كل تنظيم عسكري اسلامي غيرها كافرا وقتلته حتى
يلتزم بشرعيتها.
الولايات المتحدة مسؤولة عن قيام داعش التي اسسها جنود من جيش العراق الذي حله برايمر والنظام السوري مسؤول عن ذلك ايضا عندما اخرج المعتقلين الاسلامين من سجونه ودفعهم الى العراق لقتال الاميركين ليمنع قيام ديمقراطية في العراق
ويعطل مشروع اميركا لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط فتلاقى هؤلاء مع بقايا جيش صدام فكانت خلافة داعش نتيجة لهذا التلاقي .!
هذا الشكل الاسلامي المتعصب الوحشي
وجد فيه النظام وربما شجعه وتعامل معه في السر لأنه سيكون امام الغرب هو الأفضل وربما علمانيا كما يروج زورا .
في الداخل السوري كان ذهاب النظام الى الحل الامني والقتل على الهوية الدينية
وذهاب بعض المعارضة الى عسكرة الصراع
واستيراده وتسهيل دخول الغرباء من مخلفات التاريخ سببا في تحويل الصراع من السياسة الى الدين والطائفية وفِي هذا يتساويان في المسؤولية .
اسرائيل وعلى عكس ما يظن البعض لم تكن متفرجة على النزاع في سورية بل كانت طرفا مشجعا فيه فأي قتال داخلي في سورية يَصْب في مصلحتها فاولا توجيه الجيش السوري لقتال الشعب واستهلاك مخزونه العسكري والكيماوي وطائراته
يضعف سورية و جيشها سياسيا وعسكريا واقتصاديا ويحولها من بلد يرفض توقيع
معاهدة سلام يقر معها بحق اسرائيل في الاستيلاء على الجولان الى بلد يتسول السلام ويقر بضم الجولان !
خلال ذلك تدخلت اسرائيل وضغطت على اوباما يوم قرر ضرب الأسد ومجموعته بسبب الكيماوي لانه ووالده حققا لها سلاما
على الحدود لعدة عقود بدون معاهدة ولا تقبل بإسقاطه قبل ان يتوفر لها بديل مناسب !
أخذ الأميركيون الكيماوي أو أكثره ولَم يعاقبوا من استعمله ضد شعبه فكانت مفارقة تدعو للخجل .!
اسرائيل وافقت على دخول قوات حزب الله الى سورية لاستهلاك قواته في المستنقع السوري وأبعاده عن اسرائيل خلال الحرب
ولولا موافقتها ما كان بامكان حزب الله ان يتجاوز الحدود الى سورية .
بقاء النظام المتحالف معها في الباطن ًهو جزء من استراتيجية إسرائيلية ولكن في السياسة ربما تبيعه اذا وجدت بديلا أفضل !
الروس لم يدخلوا سوريا الا بعد موافقة اسرائيل وبوتين طار الى تل ابيب ومن نيتنياهو حصل على موافقة اسرائيل وفق اتفاق تقاسم فيه الطرفان مناطق الطيران
واتفقا على تنسيق عسكري في قسمة نفوذ غير معلنة .!
لذلك اللاعب الصهيوني موجود ويدير استمرار الحرب وتوسعها ويصفق لوحشيتها التي تجعل اسرائيل واحة للحريات والديمقراطية في وسط عربي وحشي ويحكم بالجزم فتقوى شرعيتها وتوسعها
ولا من ينازعها دوليا عليها .!
المسألة السورية بكل تعقيداتها أسقطت
حدود سايكس بيكو وصار على الارض مسلحون يريدون تغييرها لا تغيير النظام السوري فقط ومعهم دول وسلاح .
دمرت الحرب السورية ما يسمى التضامن العربي فوجدنا دول الخليج ودوّل الجوار
تدعي دعم الثورة وفِي الحقيقة لاتريد انتصارها ولَم تدعم المسلحين بغير الاسلحةً العادية والمال ولَم تعطهم مضادات للطيران وساهمت في تغيير المسارات بما يخدم مصالحها وتريد من دمار سوريا مثلا تستخدمه في تخويف معارضيها اذا فكروا يوما للثورة على انظمتهم المغرقة في الوحشية والاستبداد .
الفكر القومي العربي الذي ساد المنطقة
محمولا على شعارات الوحدة تراجع كثيرا لصالح شعوبيات متعددة فصارت الامازيغية في شمال افريقيا والفرعونية في مصر والكردية في العراق وشمال سوريا
والفينيقية في لبنان والسريانية والآشورية
كلها خرجت ترفض الاندماج مع العرب وتدعو للانفصال عنهم وتنسب اليهم كل عيب وتخلف فاضعف ذلك المنطقة واعتدى على الاعتدال العربي الذي كان جزءا أصيلا في الفكر القومي الذي لم يربط القومية العربية بالدِّين أصلا بل بالأرض ومن يدافع عنها ويعتز بتاريخها وتراثها .!
ودخل الصراع على الغاز وخطوط مروره
الروس لا يريدون وصول الغاز القطري الى المتوسط لانه بنوعيته وسعره سيزاحم روسيا التي تتحكم وحدها بسوق الغاز في اوروبا فصار الوجود الروسي على الساحل السوري مانعا وحتى أخذ الروس امتيازات التنقيب والاستثمار عنه لتسعين عاما !
الأميركيون الذين انسحبوا ايّام اوباما من
الحرب السورية عادوا اليها لا من اجل دعم الاتجاه الديمقراطي للثورة بل لقتال داعش
السنية وإيران الشيعية وكل فصيل دعمته اميركا ممنوع عليه ان يقاتل النظام بل مهمته قتال قوات داعش وميليشيات ايران!
أقام الأميركيون القواعد في شرق الفرات
وفِي التنف على حدود العراق فأقاموا سدا بمواجهة الحلم الايراني للامتداد الى سوريا ولبنان.
واستولى الأميركيون على منابع النفط السوري والغاز وصاروا يبيعونه للعراق وتركيا ومن موارده يصرفون على القوات الكردية الموالية !
عَل الساحة السورية خمسةًجيوش اجنبية إيرانية وتركية واميركية وروسية وفرنسية
وفوق ذلك شبكة تجسس إسرائيلية وصار تصادم هذه القوى مع بعضها أمرا متوقعا قد ينقل العالم الى حرب دولية واسعة تنتظر شرارة او حدثا .!
سوريا غيرت العالم ليس لانها فاعلة بل لأن نظامها جعلها مفعولا بها وساحة لمن هب ودب من أجل كرسي !
وهذا هو السؤال
١٩-٣-٢٠١٩
Sent from my iPhone
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق