الأربعاء، 19 مايو 2021

الهمجي والنذل وحروب السلالات .د . نزار العاني .

كان يا ما كان ، في قديم الزمان .
كان جالساً في عتمة مغارته ولم يكن قد اكتشف بعد مانسمّيه في أيامنا هذه  فضيحة العُرْي ، ولم يكن قد تَهجّى بعد معنى العَيْب ، وكانت كل مقومّات حياته تتلخص بلقمةٍ تقيهِ من وطأة الجوع ، وجرعة ماء ، وهراوة للطوارئ ، وحين خرج إلى الضوء والنور قرر أن يعيش على شجرة ، ويتداوى بالتمرغ في الطين ، وبالتجربة والخطأ وبشيئ من الإلهام اكتشفَ النار ولمس مقدار السحرالمخزون  في حجر الصوّان ، وحين بالمصادفة وقع جزء صغير من طرائده في النار ، وشمَّ رائحة الشواء ، تحوَّلَ من فنانٍ  متوحشٍ شاردٍ ينام ويمارس الجنس ويرسمُ بلاهاته على جدران كهوف "دورودوني" إلى  مجرّد متحضر نذل  . 
كان جدّنا الإنسان حيواناً نبيلاً لا يعرف الطمع ، ويتوقف عن الصيد حين يشبع ، ويكف عن اشتهاء المرأة العارية الجالسة إلى جواره بمجرد نظرة غاضبة من مالكها الموصوف بأنه "نياندرثال" ، وهذا الأمر موثَّق بالفلم العبقري "حرب النار" . وشيئاً فشيئاً يستر جدّنا عورته ، ويتعلم كيف يزرع وكيف يخبئ غلال الأرض لنفسه ، ويحرم جاره من الغلال حين ينهشه  الجوع ، فيضطر الأخير  مُرْغماً على تناول وتبادل وجبات القمل المنتشر في رأسه ورؤوس أفراد عائلته ، وفقاً  لما كتبه وِلْ ديورانت في "قصة الحضارة" . 
 كان أجدادنا  المتحيونون  البدائيون القدماء الأوائل  يضعون  مرضاهم بعناية في أماكن مكشوفة ، كي يداويهم الذي يستطيع من بين العابرين ، أي أنهم كانوا يعرفون معنى الشفقة ، ويناضلون ضد الألم .  لكن هذا الجد الهمجي ، حين ارتقى عقله البدائي قليلاً وتعلم السحر ، اقتضى ذلك منه لإثبات سطوته أن يأكل لحم أخيه ، وعودوا إن شئتم إلى كتاب ليفي بريل "العقلية البدائية" لتتبينوا كيف تحول جدّكم  وجدّي  من همجي محترم إلى نذل ! واحتاج الأمر فقط إلى حوالي 30  ألف سنة .
الإنسان وحده من بين كل الحيوانات الأخرى يرتقي وينحط .  هكذا ينظر  أرنولد توينبي  للإنسان في كتابه "تاريخ البشرية" ، فهو يرتقي وينحط بالتناوب ، من همجي محترم إلى نذل كما أسلفت ، وفقاً لعوامل التحدي والإرتخاء . تفكير سليم ، ولكنني أضيف إلى الأسباب سبباً مهماً هو موضوع السلالات منذ تلمست في طفولتي صراخ أهل دير الزور وسلالاتهم الخالدة : البكارة ، الخرشان ، البورباح ، المعامرة .
النحل نحل ، والنمل نمل ، والحمير حمير ، والأفيال أفيال ، وكل فرد من هؤلاء لايعي أية فروق أو صفات داخل السلالة ، ووحده الهمجي المحترم تورط وبدأ يعي ويكتشف فروقاً هائلة بين أفراد السلالة الواحدة وفي السلالات السبع وفقاً لتصنيف "تشيبوسكاروف" ، أو الأنماط الـ 48 وفقاً لتصنيف "بوناك" ، وكلما اتسعت قاعدة الإختلافات : لون البشرة ، الأنف ، بروز الفك ، الشفة ، حجاج العين ، ازدادت عدوانيته وتقهقر إلى نذل ! ويأتي الإنثربولوجيون الأوغاد ، وينفتح بمجيئهم جحيم تصنيف الإنسان  على مصراعيه ، ولا يبقى الموضوع مقتصراً على النياندرثالي والكرومانيون فحسب ، بل أضيف إليهما : الجاوي ، البولينيزي ، الأسترالي ، الميلانيزي ، التاسماني ، الزنجي ، الأوروبي ، المغولي ، الهندي ... صار الهمجي المحترم نذلاً  ، وانحط  الهمجي بعد ارتقاء مؤقت بعد تفشّي جائحة  الداء السُلالي .
الهمجي المحترم وخلال مليون سنة لم يدخل في حروب إبادة طاحنة لبني جنسِه . حين صار نذلاً ارتكب حروب إبادة ، فأباد الرجل الأبيض كل الهنود الحمر في أمريكا ، وأباد الرجل الأبيض أيضاً الأسترالي القديم ، وصارت الحروب عادة والنذالة خُلقاً . 
هكذا صار التاريخ الإنساني تاريخاً لمحطات النذالة ، وتاريخاً لسِيَرِ الأبطال الأنذال : من جنكيز خان إلى نابليون ، ومن الإسكندر المقدوني إلى هتلر ، ومن ماركوس أنطونيوس إلى جورج بوش الإبن . قياصرة وكساسرة وجنرالات . وكلما تناسلت السلالات الكبرى إلى سلالات فرعية أصغر ، وكلما أُضيف إلى الفروع سمات  عِرقية وفكرية وعقائدية وطائفية ومذهبية وحزبية استعرت نيران الحروب بين الأنذال . 
ـ من أجل تصحيح أوضاع سلالة ذوي البشرة السوداء اندلعت الحرب الأهلية  الأمريكية ، ولعلكم تذكرون الفظائع التي صورتها هوليود في تلك السنوات الغابرة .
ـ  في أوروبا ، غاليُّون وفايكينغ وجرمان وسكسون مع قليل من التوابل الكاثوليكية والبروتستانتية ، وعائلات ملكية وكنائس وفقراء ، وكل هذه الخَلْطة محقونة بمصل السلالات ، وبسببها ، اجتاحت أوروبا حروب أهلية وثنائية فتكت بمئات الآلاف .
ـ  سلالات فاشية ونازية وشيوعية واشتراكية والمزيد من الحروب النذلة . حروبُ سلالاتٍ آثمةٍ في كوريا واليابان . 
ـ سلالتان  قبليتان في رواندا مدججتان بالحماقة والغباء ، هما الهيتو والتوتسي ، حيث أقدمت السلالة الأولى على ذبح 800 ألف من السلالة الثانية خلال 100 يوم وبالسواطير المستوردة من الصين ، وتفاصيل الإبادة تجدونها في كتاب فنسان نوزيل "أسرار الرؤساء" .  
فماذا يمكننا القول عن سلالة قحطان وعدنان وعن تاريخ "جندب" العربي التليد ؟؟
في  أيام الجاهلية المشرقة كنا قبائل كبرى أو"جماجم" معدودات كما تقول العرب : غطفان وكنانة و هوازن و تميم و بكر بن وائل و عبد القيس       ومذحج و قضاعة والأزد . بين ثماني وتسع سلالات فقط ، ولذا كانت الغزوات والحروب أقل . 
تناسلت وتوالدت وتصالبت وتهاجنت وتراكبت  السلالات اليعربية  وباضَتْ فانكشف المستور ، وإذا بـ " خير أمة أخرجت للناس"  تُشيد صرحاً هائلاً للنذالة ، أي الكل يشن الحرب على الكل في الثلاثين سنة المنصرمة : حروب أهلية  متواترة في لبنان والجزائر والصومال والسودان والعراق وليبيا واليمن وسوريا ، وكل سلالة تقاتل أختها ، ولكل سلالة  أعلامها وجيناتها ومراجعها وشيوخها وأمراؤها وعقائدها وطوائفها ومساجدها وحسينياتها وكنائسها .
سلالات لا تُعَدّ ولا تحصى . مسلمون ، مسيحيون ، سُنَّة ، شيعة ، علويون حدادون وخياطون ، دروز ، موارنة ، أرمن ، أرثوذوكس ، وهّابيون ، حوثيّون ، أباضيون ، أكراد ، تركمان ، شركس ، أفغان ، شيشان ، كلدان ، علمانيون ، قوميون، اسماعيليون ، ليبراليون ، ديمقراطيون ، بعثيون ، شيوعيون ، أخوان ،  ديريون ، حماصنة ، أدالبة ، دوامنة ، حوارنة ، جبهة نصرة ،  داعش ، وسرايا وكتائب بالمئات . 
سلالات تدين بديانة الأميركان ، وأخرى تلتحق بالركب الروسي ، ومن تنسق مع السعودي ، ومن تحلف بشرف الإيراني ، ومن تتوضأ بـ         " إيفيان" الفرنسي ، وواحدة ترطن بالإنكليزية ، والذين على التخوم الشمالية يهزون رؤوسهم ويسبّحون قائلين بالتركية : شيكّوزال ، وإذا انسحبوا قليلا نحو الشرق وإلى رأس العين وقامشلو ردّدوا بالكرديّة : ياخوديه . 
بدينكم هل هذه أمّة أم مزاد ؟؟ 
 وإذ تختلط اللغات الصريحة بتقارير الإستخبارات ، والأديان بقناع الهرطقات ،  وأولاد الذوات باللقطاء ، والأساتذة بالجلاوذة ، والجهل بالمعرفة ، والوطنية باللصوصيّة، والعهر بالبطولة ، وحيث يحدث ذلك ، يمر الأنذال بسهولة ليشعلوا الفتن . أليس هذا ما يحصل اليوم في الخراب الممتد من دوما إلى دير الزور ؟؟
 وحين تذوب معاً كل الأشياء وتتداخل وتتشابك وتتقاطع :  المآرب والخوّات والحشيش والسلاح والويسكي والمقالات التي تُنَظّر  لمسيرة الحرية والعدالة ، يمكن للنذل أن يتسلل من وراء ظهرك ، ليلقي إكسير نذالته على أشلاء كل "القتلى"  في كل الجبهات ومن كل السلالات  ، ويضحك في سرّه حين يدفنهم في قبور النسيان ، وبعد المشاركة في طقوس جنازاتهم ، يجتمع  النذل مع الأنذال الآخرين بعيداً عن العين ، في ثكنة أو سرداب أو غرفة داخل فندق فخم ذي خمس نجوم (*)، ليقوموا بإحصاء  عوائدهم الماليّة ، في الوقت نفسه الذي يسيل فيه دم الأتقياء الشرفاء الأبرياء الذين لاحولَ لهم في لعبة الأقوياء الكبار . 
أيها الهمجي المحترم : قف على باب مغارتك المعتمة وابصق على كل تجار الدم  الأنذال الذين يديرون رحى حروبنا العبثية في كل مضارب العرب وتحت سقوف خيامهم ، واغسل يديك من نتن السلالات ، واعطني  فسحة من الوقت لأشرب فنجان قهوتي ، وأعالج صداع رأسي بحبّة أسبرين ، كي أعود إلى مغارتك التي لاتحمل ولو نجمة (*) واحدة  ، لعلّني أنام نومة أهل الكهف على مقربة منك ، وأحلم بسقوط السلالات جميعاً ، وأحلم أيضاً بكنس النذل المتشبّث بأذيالي !!! 
الكويت 15/5/2014

رد ‏على ‏مقالة ‏د.نزار ‏العاني ‏بعنوان الهمجي ‏والسلالات

رحلة المليون سنه 
من الياذة نزال الأبطال مع الآلهة المبتَدعه 
إلى أوديسة النذاله بين العصابات المخترَقه
أجدتَ وأبدعتَ حين استعرضتَ وسردتَ 
كان هذا نزار من نور تخلل عبر أصلاب الإنسان على مدى الزمان
متميز بلين الحزم في القول واللباقة في السرد.. فصاحب الإسم ذو لسان طيب وكلام عذب. 
يقف بجوار من يحتاجه ويساعده ويمد يد العون للجميع يتميز بالمرح والبشاشة ويدخل البهجة والسعادة على من يعرفهم. 
إنسان قوي يتمتع بالصبر والعزيمة ولديه القدرة علي تحمل المسئولية ويُعتمد عليه.  
يتميز بالوسامة والأناقة.. يهوى الممارسة  كمثقف.. يحب القراءة والإطلاع في كل مجالات الحياة كما أنه يعشق سماع أحبته ويحلو بحلاوة معشرهم.. اجتماعي محبوب من الجميع يتميز بالنجاح والتفوق
 طموح يكره الفشل ويحب أن يكون مميزا ومتفردا. شخصية نشيطة ممتلئة بالحيوية والتفاؤل 
 شخص يثق كثيرا في نفسه ويعتز بكرامته
هنيئا لنا بك في (نزرك ونثرك )ودمت لنا ذخراً في (عنائك ونبلك)...