رائعةٌ لنزار قبّاني.. كانت ممنوعة...
==========}}}}}===========
لمْ يبقَ فيهِم لا أبو بكرٍ .. ولا عثمان
جميعُهُم هياكلٌ عظمية في متحفِ الزمان
تساقطَ الفرسانُ عن سروجِهم
واعتُقِل المؤذنونَ في بيوتهم
واُلْغِيَ الأذان
جميعُهم قد ذبحوا خيولهم
وارتهنوا سيوفهم
وقدّموا نساءَهم هدية لقائد الرومان
ما كان يدعى ببلاد الشام يوما
صار في الجغرافيا...
يدعى (يهودستان)
اللهْ... يا زمان
...
لم يبقَ في دفاترِ التاريخ
لا سيفٌ ولا حِصان
جميعُهم قد تركوا نِعالهم
وهرّبوا أموالهم
وخلَّفوا وراءهم أطفالهم
وانسحبوا إلى مقاهي الموت والنسيان
جميعهم تخنَّثوا
تكحَّلوا...
تعطَّروا...
تمايلوا أغصان خيْزران
حتى تظنَّ خالداً... سوزان
ومريماً.. مروان
اللهْ... يا زمان...
...
جميعُهم قد دخلوا جُحورَهم
واستمتعوا بالمسكِ، والنساءِ، والرَّيْحان
جميعُهم: مُدَجَّنٌ، مُروَّضٌ، منافِقٌ، مزْدَوجٌ.. جبان
هلْ ممكنٌ أن يَعْقِدَ الإنسانُ صُلحاً دائماً مع الهوان؟
اللهْ... يا زمان..
...
هل تعرفونَ من أنا؟!
مُواطنٌ يسكُنُ في دولة ( قـَمْعِـسْتان(
وهذهِ الدولة ليست نُكتة مصرية
أو صورة منقولة عن كُتُبِ البَديعِ والبيان
فأرضُ (قـَمعـِستان) جاءَ ذكرُها
في مُعجمِ البُلدان...
وإنَّ منْ أهمِّ صادراتِها
حَقائِباً جِلدية
مصْنوعة من جسدِ الإنسان
اللهْ... يا زمان...
...
هل تطلبونَ نُبْذةً صغيرةً عن أرضِ (قـَمعـِستان(
تِلكَ التي تمتدُّ من شمالِ أفريقيا
إلى بلادِ نـَفْطِستان
تِلكِ التي تمتدُّ من شواطئِ القَهرِ إلى شواطئِ
القتْلِ
إلى شواطئِ السَّحْلِ، إلى شواطئِ الأحزان..
وسيفُها يمتدُّ بينَ مَدْخلِ الشِّريانِ والشريان
مُلوكُها يُقرْفِصونَ فوقَ رَقـَبَة الشُّعوبِ بالوِراثة
ويَكْرهونَ الورقَ الأبيضَ، والمِدادَ، والأقْلامَ بالوراثة
وأول البُنودِ في دُسْتورها:
يَقضي بِأنْ تُلْغَى غريزَةُ الكلامِ في الإنسان
اللهْ... يا زمان...
...
هل تعرفونَ من أنا؟!
مُواطنٌ يسكُنُ في دولةِ (قـَمْعـِسْـتان(
مُواطنٌ...
يَحْلُمُ في يومٍ من الأيامِ أنْ يُصبِحَ في مرتبة الحيوان
مُواطنٌ يخافُ أنْ يَجْلسَ في المقهى..
لكي لا تـَطلـَعُ الدولة من غياهبِ الفنجان
مُواطنٌ أنا.. يَخافُ أنْ يقرَبَ زوجته
قُبيلَ أن تُراقبَ المباحثُ المكان
مٌواطنٌ أنا.. من شعبِ قـَمْعـِسْـتان
أخافُ ان أدخلَ أيَّ مَسجدٍ
كي لا يُقالَ أنّي رَجُلٌ يُمارسُ الإيمان
كي لا يقولَ المُخبرُ السِّرِيُّ:
أنّي كنتُ أتْلو سورةَ الرحمن.
الثلاثاء، 31 أغسطس 2021
الجمعة، 27 أغسطس 2021
فاطمة العذراء والمسيح المسلم
طفلاً، كنت أستمع عقب كل صلاة إلى ذلك الدعاء الذي ينغمه المصلون بصوت رخيم وهم يصلون على إبراهيم وآله، وعلى محمد وآله، ثم يختمون صلاتهم على الحسن والحسين وعلى فاطمة “البتول الزهراء”.
وكنت أتساءل عن معنى البتول والزهراء؟ وعلاقة هذه الصفات بفاطمة؟
كبرت قليلا وبحثت في معاجم اللغه ووجدت أن البتول ترد بمعنيين. المعنى الأول وهو “العذراء”، والمعنى الثاني “المرأة المنقطعة عن الرجال”.
لكننا جميعنا نعرف أن فاطمة لم تكن عذراء، وأنها تزوجت وعاشت عمرا طويلا مع زوجها علي بن أبي طالب، وأنجبت الحسن والحسين والمحسن.
إن المرأة العذراء الوحيدة التي أنجبت طفلا هي “مريم البتول”. فلماذا توصف فاطمة بنفس الوصف الذي أطلق على أشهر عذراء في التاريخ الديني؟
بحثت أكثر في الأدبيات الشيعية (والسنية أيضا!) ووجدت أن لفاطمة أوصافا أخرى مثل “سيدة نساء العالمين”، وهو أيضا أحد الألقاب التي أطلقت على مريم.
حسب الميثولوجيا الدينية المسيحية والإسلامية، فقد حبلت مريم بدون زواج وأنجبت عيسى؛ وهي، تبعا لذلك، سيدة نساء العالمين لأنها المرأة الطاهرة أم النبي التي لم يمسسها بشر.
فلماذا يا ترى هذا التشابه الكبير بين صورة مريم عند المسيحيين وصورة فاطمة عند الشيعة؟
بما أن مريم مرتبطة بالمسيح، وفاطمة مرتبطة بالحسين، عدت لأقارن بين تصور المسيحيين للمسيح، وتصور الشيعة للحسين، ووجدت كثيرا من التشابه والتماثل.
مات المسيح مصلوبا ومثل بجثته، ويقال إن الحسين صُلب أيضا ورفع رأسه على الرماح. بعد موت المسيح، تأسست المسيحية، بينما بعد موت الحسين، تأسست الشيعية.
قتل الحسين يوم الجمعة، وصلب المسيح يوم الجمعة، ولا يزال أتباعهما حتى الآن يحتفلون بمقتلهما في مسيرات طويلة من البكاء والعويل ولطم الرؤوس و نتف الشعر وشق الجلود بالآلات الحادة حتى تمتلئ أجسادهم بالدماء.
بل أن احتفالات كربلاء عند الشيعة منقولة حرفيا من احتفالات المسيحيين الشرقيين بأسبوع الآلام. إذا نظرت إلى صورة الحسين التي يرفعها الشيعة في مسيرتهم في إحياء ذكرى كربلاء، ستجد أنها نفسها صورة المسيح التي كان يحملها المسيحيون في مسيرات إحياء ذكرى الصلب.
لا يمكن أن ينكر أي قارئ في تاريخ الأديان علاقة التأثير والتأثر بين الديانات والمذاهب؛ فقد نقل بعض رواة سيرة نبي الإسلام من أحداث حياة زرادشت ما نقلوا، كما نسخ فقهاء الإسلام من التشريعات اليهودية ونسبوها للإسلام حتى كاد الإسلام أن “يتهود”.
ويبدو أن الأدبيات الشيعية أعادت صياغة قصة الحسين وفاطمة على نفس منوال قصة المسيح ومريم، حتى أن النسخ واللصق أدى الى إرباك صورة فاطمة والحسين عند الشيعة وملأها بالمتناقضات.
على سبيل المثال، كنت أتساءل في طفولتي عن معنى صفة “الزهراء” التي تطلق في البيئات الشيعية على فاطمة، واندهشت كثيرا عندما وجدت أن أحد معانيها هو “المرأة التي لا تحيض!”.
ولأن الحيض أحد علامات خصوبة المرأة وقدرتها على الحمل، فإن ادعاء عدم حيض فاطمة يقود إلى نتيجة أخرى غريبة هي أنها لم تحمل كما حملت بقية النساء (التلقيح) وإنما حملت حملا إعجازيا، مثلها مثل مريم البتول.
لكن إدعاء الحمل الإعجازي لفاطمة يرتبط بفكرة أخرى أراد متطرفو الشيعة زرعها، وهي “إلهية الحسين”؛ فالحسين نفخ في رحم فاطمة كما نفخ المسيح في رحم مريم.
بؤكد هذا الزعم تلك الخرافة المنتشرة ان عليا وفاطمة تزوجا في السماء وبعقد إلهي شهدت عليه الملائكة!
هنا، يتم نسخ الثالوث المقدس(الله، مريم، عيسى) إلى الثالوث المقدس الشيعي (علي، فاطمة، الحسين)؛ خاصة أن علي في الأدبيات المتأخرة للشيعة يكتسب بعض صفات الألوهية، فهو مثلا خلق قبل الكون وقبل الأنبياء، وتتحرك الكواكب بإرادته، ويحج إليه الأنبياء ويرجعون اليه!
هل هذه كل التشابهات بين مريم وفاطمة وبين الحسين والمسيح؟
هناك شيء آخر يجمع بين فاطمة ومريم، هو النسب الأمومي.
فعيسى منسوب لأمه وهذا معروف للجميع. لكن الحسن والحسين منسوبان لأمهما أيضا (النسب الفاطمي)، وهذا شيء استثنائي في مجتمع ذكوري، وفي ظل معرفة هوية واسم الأب.
إن الانتساب للأم كان ضروريا من أجل ادعاء أن الحسن والحسين هما “أبناء الرسول”، بينما هما في الحقيقة أبناء علي، وأبناء أبي طالب، جدهم الذي مات ولم يعتنق الإسلام.
يبدو أن هذا أحد الأسباب التي أغرت فقهاء الشيعة لنسخ سيرة مريم والمسيح “الأمومية”، وإعادة زرعها في اللاهوت الشيعي بكل المتناقضات التي تحملها (وهل هناك فكر ديني لا ينفجر بالمتناقضات)؟
ارتبط المسيح بالفداء، مثلما ارتبط الحسين بالفداء. لكن هناك فارقا جوهريا بين الفدائين.
لقد مات المسيح فداء للمؤمنين به، وخلص العالم من عبء الخطيئة، حسب التصور المسيحي. لهذا، ليست هناك حاجة لأن يموت المسيحيون أو يستشهدوا فداء للمسيح، فدم المسيح فداء لكل الدماء.
أما بالنسبة للحسين، فالأمر مختلف. لقد مات الحسين لأن أنصاره خذلوه ولم يفدوه.
لهذا، لابد لأتباعه أن يكفروا عن خطيئتهم الأبدية، وهذا التكفير لا يكون إلا بالموت والاستشهاد: “ثأر الحسين” وتقديس فكرة الموت والشهادة، فكل شخص يؤمن بالحسين يجب أن يموت تكفيرا عن خطيئة خذلان الحسين في كربلاء.
الفارق بين الفدائين هو الفارق بين مسيحية اليوم، وبين شيعية اليوم التي وقعت في مصيدة الموت والدم، ولن تخرج منها إلا بإعادة فهم ورسم صورة الحسين بعيدا عن أساطير الولاية والشهادة والإصطفاء.
...................
نشر هذا المقال في موقع مرايانا، واكتشفت ان تساؤلاته اغضبت السنة مثلما اغضبت الشيعة!!
14 فبراير 2019
وكنت أتساءل عن معنى البتول والزهراء؟ وعلاقة هذه الصفات بفاطمة؟
كبرت قليلا وبحثت في معاجم اللغه ووجدت أن البتول ترد بمعنيين. المعنى الأول وهو “العذراء”، والمعنى الثاني “المرأة المنقطعة عن الرجال”.
لكننا جميعنا نعرف أن فاطمة لم تكن عذراء، وأنها تزوجت وعاشت عمرا طويلا مع زوجها علي بن أبي طالب، وأنجبت الحسن والحسين والمحسن.
إن المرأة العذراء الوحيدة التي أنجبت طفلا هي “مريم البتول”. فلماذا توصف فاطمة بنفس الوصف الذي أطلق على أشهر عذراء في التاريخ الديني؟
بحثت أكثر في الأدبيات الشيعية (والسنية أيضا!) ووجدت أن لفاطمة أوصافا أخرى مثل “سيدة نساء العالمين”، وهو أيضا أحد الألقاب التي أطلقت على مريم.
حسب الميثولوجيا الدينية المسيحية والإسلامية، فقد حبلت مريم بدون زواج وأنجبت عيسى؛ وهي، تبعا لذلك، سيدة نساء العالمين لأنها المرأة الطاهرة أم النبي التي لم يمسسها بشر.
فلماذا يا ترى هذا التشابه الكبير بين صورة مريم عند المسيحيين وصورة فاطمة عند الشيعة؟
بما أن مريم مرتبطة بالمسيح، وفاطمة مرتبطة بالحسين، عدت لأقارن بين تصور المسيحيين للمسيح، وتصور الشيعة للحسين، ووجدت كثيرا من التشابه والتماثل.
مات المسيح مصلوبا ومثل بجثته، ويقال إن الحسين صُلب أيضا ورفع رأسه على الرماح. بعد موت المسيح، تأسست المسيحية، بينما بعد موت الحسين، تأسست الشيعية.
قتل الحسين يوم الجمعة، وصلب المسيح يوم الجمعة، ولا يزال أتباعهما حتى الآن يحتفلون بمقتلهما في مسيرات طويلة من البكاء والعويل ولطم الرؤوس و نتف الشعر وشق الجلود بالآلات الحادة حتى تمتلئ أجسادهم بالدماء.
بل أن احتفالات كربلاء عند الشيعة منقولة حرفيا من احتفالات المسيحيين الشرقيين بأسبوع الآلام. إذا نظرت إلى صورة الحسين التي يرفعها الشيعة في مسيرتهم في إحياء ذكرى كربلاء، ستجد أنها نفسها صورة المسيح التي كان يحملها المسيحيون في مسيرات إحياء ذكرى الصلب.
لا يمكن أن ينكر أي قارئ في تاريخ الأديان علاقة التأثير والتأثر بين الديانات والمذاهب؛ فقد نقل بعض رواة سيرة نبي الإسلام من أحداث حياة زرادشت ما نقلوا، كما نسخ فقهاء الإسلام من التشريعات اليهودية ونسبوها للإسلام حتى كاد الإسلام أن “يتهود”.
ويبدو أن الأدبيات الشيعية أعادت صياغة قصة الحسين وفاطمة على نفس منوال قصة المسيح ومريم، حتى أن النسخ واللصق أدى الى إرباك صورة فاطمة والحسين عند الشيعة وملأها بالمتناقضات.
على سبيل المثال، كنت أتساءل في طفولتي عن معنى صفة “الزهراء” التي تطلق في البيئات الشيعية على فاطمة، واندهشت كثيرا عندما وجدت أن أحد معانيها هو “المرأة التي لا تحيض!”.
ولأن الحيض أحد علامات خصوبة المرأة وقدرتها على الحمل، فإن ادعاء عدم حيض فاطمة يقود إلى نتيجة أخرى غريبة هي أنها لم تحمل كما حملت بقية النساء (التلقيح) وإنما حملت حملا إعجازيا، مثلها مثل مريم البتول.
لكن إدعاء الحمل الإعجازي لفاطمة يرتبط بفكرة أخرى أراد متطرفو الشيعة زرعها، وهي “إلهية الحسين”؛ فالحسين نفخ في رحم فاطمة كما نفخ المسيح في رحم مريم.
بؤكد هذا الزعم تلك الخرافة المنتشرة ان عليا وفاطمة تزوجا في السماء وبعقد إلهي شهدت عليه الملائكة!
هنا، يتم نسخ الثالوث المقدس(الله، مريم، عيسى) إلى الثالوث المقدس الشيعي (علي، فاطمة، الحسين)؛ خاصة أن علي في الأدبيات المتأخرة للشيعة يكتسب بعض صفات الألوهية، فهو مثلا خلق قبل الكون وقبل الأنبياء، وتتحرك الكواكب بإرادته، ويحج إليه الأنبياء ويرجعون اليه!
هل هذه كل التشابهات بين مريم وفاطمة وبين الحسين والمسيح؟
هناك شيء آخر يجمع بين فاطمة ومريم، هو النسب الأمومي.
فعيسى منسوب لأمه وهذا معروف للجميع. لكن الحسن والحسين منسوبان لأمهما أيضا (النسب الفاطمي)، وهذا شيء استثنائي في مجتمع ذكوري، وفي ظل معرفة هوية واسم الأب.
إن الانتساب للأم كان ضروريا من أجل ادعاء أن الحسن والحسين هما “أبناء الرسول”، بينما هما في الحقيقة أبناء علي، وأبناء أبي طالب، جدهم الذي مات ولم يعتنق الإسلام.
يبدو أن هذا أحد الأسباب التي أغرت فقهاء الشيعة لنسخ سيرة مريم والمسيح “الأمومية”، وإعادة زرعها في اللاهوت الشيعي بكل المتناقضات التي تحملها (وهل هناك فكر ديني لا ينفجر بالمتناقضات)؟
ارتبط المسيح بالفداء، مثلما ارتبط الحسين بالفداء. لكن هناك فارقا جوهريا بين الفدائين.
لقد مات المسيح فداء للمؤمنين به، وخلص العالم من عبء الخطيئة، حسب التصور المسيحي. لهذا، ليست هناك حاجة لأن يموت المسيحيون أو يستشهدوا فداء للمسيح، فدم المسيح فداء لكل الدماء.
أما بالنسبة للحسين، فالأمر مختلف. لقد مات الحسين لأن أنصاره خذلوه ولم يفدوه.
لهذا، لابد لأتباعه أن يكفروا عن خطيئتهم الأبدية، وهذا التكفير لا يكون إلا بالموت والاستشهاد: “ثأر الحسين” وتقديس فكرة الموت والشهادة، فكل شخص يؤمن بالحسين يجب أن يموت تكفيرا عن خطيئة خذلان الحسين في كربلاء.
الفارق بين الفدائين هو الفارق بين مسيحية اليوم، وبين شيعية اليوم التي وقعت في مصيدة الموت والدم، ولن تخرج منها إلا بإعادة فهم ورسم صورة الحسين بعيدا عن أساطير الولاية والشهادة والإصطفاء.
...................
نشر هذا المقال في موقع مرايانا، واكتشفت ان تساؤلاته اغضبت السنة مثلما اغضبت الشيعة!!
14 فبراير 2019
الثلاثاء، 17 أغسطس 2021
أول أحاسيس العزاء لأعز مخلوق من النساء
أول أحاسيس العزاء لأعز مخلوق من النساء
وضعت إصبعي على جرس الباب.. قبل أن أضغط على الجرس توقفت .
فتحت حقيبتي وأخرجت منها المفتاح.
أدرت المفتاح في القفل عدة مرات قبل أن ينفتح الباب على مدخل تتوزع منه غرف البيت…
اتجهت إلى الممر المؤدي إلى غرفة الجلوس؛ بلا تفكير اتجهت إلى برّ الأمان.
هذا الممر كان بالنسبة لي بمثابة الجدار الفاصل… كلما مررت منه، خلعت أحزاني خلفه؛ وعبرت….
كنت في أقصى درجات التوتر؛ قلبي يدق بسرعة، يداي ترتجفان، ورجلاي بالكاد تحملاني…
بفكر مشتّت وساقين مرتجفتين استطعت أخيراً الوصول إلى غرفة الجلوس. كانت هناك.. وجدتها مُسمّرة في مكانها المعتاد.
نور ساطع تفشّى داخل الغرفة واستقر .
بدت لي وكأنها ملاك… لا يمكن لها أن تكون إمرأة من فصيلة البشر!
وجهٌ صبوحٌ مكلّل بتاج من شعر فاتح زادته الشعيرات البيضاء المتداخلة فيه بهاءً ووقارا… بشرةٌ ملساءٌ متوهّجة ببياضٍ ناصع تشوبه حمرة الورد… بشرة تضاهي بشرة الصبايا بنقائها وجمالها… ارتدتْ ثوبها الأخضر المخملي المطرز بخيوط الذهب… رسمت على وجهها ابتسامتها الهادئة التي لم تفارق محياها إلا فيما ندر… هل هي ابتسامة الرضا والسلام، أم ابتسامة التسليم التي تتستر بواسطتها على الآلام ؟!
رفعتْ وجهها.. نظرت إليّ بحنان... حاولت أن تقول شيئاً، ولكنها كانت عاجزة عن التعبير والكلام.
تأملتها وقلبي يتوق شوقاً لاحتواء تلك الكتلة من النور بين يدي؛
عينان واسعتان غُسلتا بزرقة السماء… وجهٌ مشرقٌ بنور القلب وجمال الخَلق وصفاء النفس.
رائحة عَطِرة غمرت المكان… اختلط الأمر عليّ، هل هل هو وشاحها الموسلين الذي اعتادت أن تكلله بقطع الصابون المعَطّر بالغار؟ أم عبير زهور المضعف الموضوعة على الطاولة المستديرة إلى جانبها؟!
تسمّرتْ في مكانها أمام شباك عريض احتل مساحة واسعة من الحائط… لوح الزجاج خلفها كثيراً ما كان يتركني في حيرةٍ من أمري.. كيف لزجاجٍ هش قد يتهاوى أمام أقل الصدمات، أن يتمكن -حتى الآن- من المحافظة على هذا القدر من النظافة والنقاء؟!
نافذتُها لم تتمكن منها الأقذار، ولم تتلطخ بالسواد والسموم المبثوثة حولها في الأجواء !
من خلف الزجاج بدت لي شجرة الليمون… شجرة انحنت أغصانها بمرور الأعوام، لكن بذورها الطيبة داومت على طرح الثمار !
تقدمتُ نحوها… انحنيت على وجهها لأقبلها…
لم أجد سوى الفراغ
اهتزّ هاتفي المحمول وأصدر صوتاً يعلن وصول رسالة ما!
أخرجته من جيبي… قرأت الرسالة على مضض:
"إذا وصلتِ البيت قبلي، أرجو أن تباشري بفتح الستائر والشبابيك… حاولي تحضير فناجين القهوة قبل وصول المُعَزّين!
مع تلك الرسالة انهار جدار الأمان!
——————————
اللوحة للفنان الدانمركي :
( Carl Vilhelm Holsøe (March 1863 – November 1935)
وضعت إصبعي على جرس الباب.. قبل أن أضغط على الجرس توقفت .
فتحت حقيبتي وأخرجت منها المفتاح.
أدرت المفتاح في القفل عدة مرات قبل أن ينفتح الباب على مدخل تتوزع منه غرف البيت…
اتجهت إلى الممر المؤدي إلى غرفة الجلوس؛ بلا تفكير اتجهت إلى برّ الأمان.
هذا الممر كان بالنسبة لي بمثابة الجدار الفاصل… كلما مررت منه، خلعت أحزاني خلفه؛ وعبرت….
كنت في أقصى درجات التوتر؛ قلبي يدق بسرعة، يداي ترتجفان، ورجلاي بالكاد تحملاني…
بفكر مشتّت وساقين مرتجفتين استطعت أخيراً الوصول إلى غرفة الجلوس. كانت هناك.. وجدتها مُسمّرة في مكانها المعتاد.
نور ساطع تفشّى داخل الغرفة واستقر .
بدت لي وكأنها ملاك… لا يمكن لها أن تكون إمرأة من فصيلة البشر!
وجهٌ صبوحٌ مكلّل بتاج من شعر فاتح زادته الشعيرات البيضاء المتداخلة فيه بهاءً ووقارا… بشرةٌ ملساءٌ متوهّجة ببياضٍ ناصع تشوبه حمرة الورد… بشرة تضاهي بشرة الصبايا بنقائها وجمالها… ارتدتْ ثوبها الأخضر المخملي المطرز بخيوط الذهب… رسمت على وجهها ابتسامتها الهادئة التي لم تفارق محياها إلا فيما ندر… هل هي ابتسامة الرضا والسلام، أم ابتسامة التسليم التي تتستر بواسطتها على الآلام ؟!
رفعتْ وجهها.. نظرت إليّ بحنان... حاولت أن تقول شيئاً، ولكنها كانت عاجزة عن التعبير والكلام.
تأملتها وقلبي يتوق شوقاً لاحتواء تلك الكتلة من النور بين يدي؛
عينان واسعتان غُسلتا بزرقة السماء… وجهٌ مشرقٌ بنور القلب وجمال الخَلق وصفاء النفس.
رائحة عَطِرة غمرت المكان… اختلط الأمر عليّ، هل هل هو وشاحها الموسلين الذي اعتادت أن تكلله بقطع الصابون المعَطّر بالغار؟ أم عبير زهور المضعف الموضوعة على الطاولة المستديرة إلى جانبها؟!
تسمّرتْ في مكانها أمام شباك عريض احتل مساحة واسعة من الحائط… لوح الزجاج خلفها كثيراً ما كان يتركني في حيرةٍ من أمري.. كيف لزجاجٍ هش قد يتهاوى أمام أقل الصدمات، أن يتمكن -حتى الآن- من المحافظة على هذا القدر من النظافة والنقاء؟!
نافذتُها لم تتمكن منها الأقذار، ولم تتلطخ بالسواد والسموم المبثوثة حولها في الأجواء !
من خلف الزجاج بدت لي شجرة الليمون… شجرة انحنت أغصانها بمرور الأعوام، لكن بذورها الطيبة داومت على طرح الثمار !
تقدمتُ نحوها… انحنيت على وجهها لأقبلها…
لم أجد سوى الفراغ
اهتزّ هاتفي المحمول وأصدر صوتاً يعلن وصول رسالة ما!
أخرجته من جيبي… قرأت الرسالة على مضض:
"إذا وصلتِ البيت قبلي، أرجو أن تباشري بفتح الستائر والشبابيك… حاولي تحضير فناجين القهوة قبل وصول المُعَزّين!
مع تلك الرسالة انهار جدار الأمان!
——————————
اللوحة للفنان الدانمركي :
( Carl Vilhelm Holsøe (March 1863 – November 1935)
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)