الثلاثاء، 17 أغسطس 2021

أول أحاسيس العزاء لأعز مخلوق من النساء

أول أحاسيس العزاء لأعز مخلوق من النساء

وضعت إصبعي على جرس الباب.. قبل أن أضغط على الجرس توقفت .
فتحت حقيبتي وأخرجت منها المفتاح.
أدرت المفتاح في القفل عدة مرات قبل أن ينفتح الباب على مدخل تتوزع منه غرف البيت…
اتجهت إلى  الممر  المؤدي إلى غرفة الجلوس؛ بلا تفكير اتجهت إلى برّ الأمان.
هذا الممر كان بالنسبة لي بمثابة الجدار الفاصل… كلما مررت منه، خلعت أحزاني خلفه؛ وعبرت…. 

كنت في أقصى درجات التوتر؛ قلبي يدق بسرعة،  يداي ترتجفان، ورجلاي بالكاد تحملاني…
بفكر مشتّت وساقين مرتجفتين استطعت أخيراً الوصول إلى غرفة الجلوس. كانت هناك.. وجدتها مُسمّرة في مكانها المعتاد.

نور ساطع تفشّى داخل الغرفة واستقر .
بدت لي وكأنها ملاك… لا يمكن لها أن تكون  إمرأة من فصيلة البشر!
وجهٌ صبوحٌ  مكلّل بتاج من شعر فاتح زادته الشعيرات البيضاء المتداخلة فيه بهاءً ووقارا… بشرةٌ ملساءٌ متوهّجة  ببياضٍ ناصع تشوبه حمرة الورد… بشرة تضاهي بشرة الصبايا بنقائها وجمالها… ارتدتْ ثوبها الأخضر المخملي المطرز بخيوط الذهب… رسمت على وجهها ابتسامتها الهادئة التي لم تفارق محياها إلا فيما ندر… هل هي ابتسامة الرضا والسلام، أم ابتسامة التسليم التي تتستر بواسطتها على الآلام ؟!

رفعتْ وجهها.. نظرت إليّ بحنان... حاولت أن تقول شيئاً، ولكنها كانت عاجزة عن التعبير والكلام.

تأملتها وقلبي يتوق شوقاً لاحتواء تلك الكتلة من النور بين يدي؛
عينان واسعتان غُسلتا بزرقة السماء… وجهٌ مشرقٌ بنور القلب وجمال الخَلق وصفاء النفس.
رائحة عَطِرة غمرت المكان… اختلط الأمر عليّ، هل  هل هو وشاحها الموسلين الذي اعتادت أن تكلله بقطع الصابون المعَطّر بالغار؟ أم عبير زهور المضعف  الموضوعة على الطاولة المستديرة إلى جانبها؟! 

تسمّرتْ في مكانها أمام شباك عريض احتل مساحة واسعة من الحائط… لوح الزجاج خلفها كثيراً ما كان يتركني في حيرةٍ من أمري.. كيف لزجاجٍ هش قد يتهاوى أمام أقل الصدمات، أن يتمكن -حتى الآن- من المحافظة على هذا القدر من النظافة والنقاء؟!
نافذتُها لم تتمكن منها الأقذار، ولم تتلطخ بالسواد والسموم المبثوثة حولها في الأجواء !
من خلف الزجاج بدت لي شجرة الليمون… شجرة انحنت أغصانها بمرور الأعوام، لكن بذورها الطيبة داومت على طرح الثمار !  

تقدمتُ نحوها… انحنيت على وجهها لأقبلها…
لم أجد سوى الفراغ 

اهتزّ  هاتفي المحمول وأصدر صوتاً يعلن وصول رسالة ما!
أخرجته من جيبي… قرأت الرسالة على مضض:
"إذا وصلتِ البيت قبلي، أرجو أن تباشري بفتح الستائر والشبابيك… حاولي تحضير  فناجين القهوة قبل وصول المُعَزّين!

مع تلك الرسالة انهار جدار الأمان! 
   ——————————
اللوحة للفنان الدانمركي  :
( Carl Vilhelm Holsøe (March 1863 – November 1935)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق