أبو العز الحلبي
السبت 10 يونيو2017
ذل أمه أم هذيان شعب؟!..
في مثل هذا اليوم تمر الذكرى السابعه عشرة لرحيل الرئيس السوري حافظ الأسد، وسوريا الحبيبة تقطر دما من آثام ابنه الرئيس الحالي بشار الأسد.كنت يوم جنازة الاسد (الأب) أراقب شاشة التلفزيون السوري، وهو ينعى الفقيد أربعين يوما متواصلة، وأنا أحتقن ساعة بعد الساعة من شدة المعاناة، لما أراه من حالة نفاق مبتذل وتزاك مكشوف، والتي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم. شاهدت شاشات الفضائيات متشحة بالسواد، ومن خلالها ضبطت «شعبا» متلبسا بحب رئيس كان يود أن يتوب، فمات وهو يتمتم، داعيا الله ان يغفر له زلته في الخامس من «خزيلان» وان يعيد له الجولان.كانت الناس تختلف النظرات على كفن الوالد والوثن الإبن مثل لصوص صغار تسرق رغيف حنان ..
وسط موقد الحمى.. رأيت جنونهم به يلتهب، وانتظارهم لهبوب رياح جديدة لن ينتهي. ضبطتهم متلبسين بالهذيان امام الأقمار الاصطناعية ووهم حضوره الأخير، بينما هو مشغول بقطف وردة وزرع أشواك كثيرة.ما هذا الجنون الذي تعيشه العاصمة، وهي التي عرف عنها كيف تحتوي أطماع كل الرؤساء السابقين وتذيب كل موارد المدن الاخرى بمركزيتها المتغطرسة؟!
شاهدت امرأة عمياء تزين أشجار حديقتها فتتدلى منها الأفاعي..
شاهدت بابا نويل في لبنان يساق إلى الجنديه مرغما ويعبئون جعبته سلاحا يطلق آهات للولاء وصيحات من البلاء..أي جنون يجتاح هذه المدينه؟
شاهدت حاقدا مقنعا يمزق زينة عيد المولد النبوي ويلصق اوراق «النعوات» على الابواب، ويختم بالشمع الأسود عيون الاطفال المتطلعة الى الحرية، ويأمر الناس بأن يقبّلوا أيادي العائلة الحاكمة، ويتوجوا النجل الأكبر ملكا في شوارع النفاق وقمامات الفساد وأتون الجثثً،
الحفاظ على النظام الأسود للقضيه كان أسوأ عناد لأعدل سلبيه.
لا شيء أكثر مهانة لزعيم من الصفعة التي لا ترد..لا شيء أكثر هواناً لجيش، تسحب أرضه من تحت قدميه وهو يحمل البندقية.لا شيء أكثر مصابا لشعب من أن يسدل على عاره ستار النسيان، ويألف المهانة في الداخل والهزيمة من الخارج، وينسج من مهانته قصصا «دون كيشوتية»، ثم يألف تصديق الأكذوبة التي تقول ان زعيمه سيحرره من الخارج قبل أن يفك أصفاده من الداخل!
صحيح أنني أعشق الإحتراق في وهج الغربه لكنني أكره العوده ببلادة ورقة خريف مستسلمه.
آه منك «يا شعب» المؤسسات المنظمة ولائياً.. والمبعثرة إنتاجياً..هل يمكن ان تنطلي تلك الخدعة الإعلامية على المتفرج العربي، وهو يرى زرافات حزبية منظمة محمومة تُدفع من كل منظمة ومؤسسة وتؤتمر من كل اتحاد ونقابة، لتنادي باسم الزعيم الأوحد، وتبايع النجل الأصغر..لتلهب عاطفة رجل الشارع الساذج في لحظة ضياع طبيعيه معروفه تنتاب الناس بعد فقدان المستبد الوحيد على الساحه السياسيه.. وأهازيج محفوظة ترددها البطانة المتخمة، لتحصّل من وراء ظله الكبير على مكاسب لا تريدها ان تنقطع، واعدة بالولاء، حالمة باستمرارية الثراء، مكرسة كل ما عندها من النفاق المبتذل والتذاكي المكشوف لخدمته.
البلاء كل البلاء ان يكون تقييم حكامنا لأعوانهم في التسابق على الولاء، وليس في الجودة بالعطاء.
هنيئا لك ياشعب بما بدوت به في الظاهر_على يدي المخرج_ شعبا واعيا للحدث متفائلا بالنجل الحدث متخما بالحماقة السعيده..
ها أنا أقف حائراً أكرر المهزلة، أبلع الطعم والصنارة، وأنحاز الى الأسماك التي تغادر مياهها الإقليمية، لتمشي في تظاهرة السردين المعلب.
نظرت إلى سمات بلدي من خلال كاميرا الطائره فوجدت البحر يشبه السماء وحضورك ياشعب مثل غيابك..وصدقك كذبك والأصداف الفارغة.. جماجم معبأة بالملح والصبر.. والبومة تشبه الفراشة.. وشهقة الولادة تشبه شهقة الإحتضار.. وصرخة الفراق تشبه تهليلة البيعة!..
وها أنا أسبح عكس التيار وحيدا خارج قطيع الأسماك المذعورة، لأعود إلى دمشق المكفنة بفلاشات عدسات التصوير وروائح حرق النفايات وظلال الحرائق التي حولت أعلامنا كلها إلى رايات سوداء كمدينة ضربها الطاعون، طالعة من أساطير اللعنة وكهوف العصور المنقرضة..
بائع المشانق تحول الى بائع ياسمين.وأخفى الحبل المجدول بيد خلف ظهره وأخرج باليد الأخرى عقد ياسمين يريه للوجوه المربعه ممسوحة الملامح ذات الشفاه المخيطه كعروة زر مغلقه..
في هذه اللحظه هربت الألوان من المرئيات مثل صورة تلفزيونية ملونه استحالت بيضاء سوداء ..ذبلت الأزهار وتساقطت أوراق الشجر وهي تفر من درب الموكب ..والمسلحون يمشون وأبخرة حمض الكبريت الخانقة تتصاعد من أنفاسهم...
أكوام القمامة مالت برؤوسها لما مرّ الموكب، منحنية على الجياع لتسد أفواها تفوح منها رائحة البكاء المكتوم كبرياء ومذلة..
عند المنعطف التقى أحد المسلحين ضبعاً مخيفاً، انضم إليه بعدما تعانقا بحرارة..
ما هذه التناقضات؟!أحدق في الشارع، فأرى شجرة هرمة تركض خلف الكفن.. وسلحفاة تخلع صدفتها وتهرول كأرنب مذعور..وقططا تراقص الفئران على أوتار بيتهوفن وشوبان..وثعلبا لطيفا «برتبة عماد»..يدفئ عنق عجوز ريفيه بائسه بذيله المثقل بالنياشين..
لقد تبدل العالم بسرعه مذهلة..بنفس السرعه التي تنقل فيها نقطتان من تحت الحرف إلى أعلاه فتتحول اللافته من (حافظ بعبع إلى بشار نعنع ). أغلقت النافذة.. أحصيت أعضائي تلمست بطاقة سفري، وغصات تتردد مني وتقول: لم تعد الغابات ملعبنا.. لم تعد الشطآن مرتعنا..من يجرؤ على أن يقول: إنهم يحاولون اقتسام الجوهرة المسروقة؟ من يجرؤ على ان يشهد عكس الريح ، وأن الشمس أخذت بالاحتضار؟..ولكن عبثا يسطون على دفء القلب الكليم..عبثا يحولها ضباع الليل ودبابيره إلى تابوت ومأتم..
أيها المرهف شفافية وعذوبه:
هذا زمن إعدام العصافير وإطلاق الدبابير لتأكل من جديد، وتتحول ضمن حلقة تطور متردية إلى عفاريت الأساطير..ولكن لا وألف لا. لن نركع للبشاعة.. ولن نرضى برؤية الحصان العربي الأصيل بعيداً عن براري الضوء، وقد نسي الصهيل.. في زمن بشع في اسطبل التدجين..
ياله من زمن بشع كوجه قواد عجوز عبثا تجمله أقلام التزوير....
أبو العز الحلبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق