قبل سنوات. ..
صلّيتُ في مسجدٍ في وسط سوق ، صلّى بجانبي طفلٌ لطيف ، بعد التسليمة الثانية سَلَّم عليّ مبتسمًا وقال : دعوتُ لك
بقيتُ بين انتفاضة دواخلي من وقع الكلمة وبين مبسمه الجذّاب ، وأخرجني من ذهول الجَمال حينَ أخرج من جيبه حبّة -حُلوى - صغيرة ، وأهداني إياها قائلًا بعد سؤاله عن السبب ، أمّي رقيّة علّمتني
احتضنته متأثرًا بالكمّ الهائل من التفاصيل .
• طفلٌ في مسجد ، يُصلّي بلا لعب
• يُسلّم على من بجانبه ويبتسم
• يدعو له في سجوده ويخبره
• يُهديه حبّة حُلوى
ما أعظم هذا
لم تنتهِ القصّة هنا ،
وضعتُ النيّة من يومها أن ابدأ مثله ، أدعو لكل من يصلّي على يميني ، أسلّم عليه وأحادثه بلُطف ، ثمّ أمضي ...
اليوم بينَ يديّ دفترٌ كامل ، فيه كل ردّات الفعل التي واجهتها بعد كل صلاة ، كلّ كلمةٍ -تقريبًا - سمعتها من قلبِ من صلّى على يميني ، كلّ لحظةٍ استشعرتُ أنّ صغائر الأمور تبني عظائم الأجور .
تعلّمتُ أنّ من علّمني شيئًا ، أُهديه أن أبدأ بعده ، وقفًا له وباسمه ، يموتُ هو ويبقى الأثر ، أموت أنا ويبقى العمل ..
صحيحٌ أنّي لا أمتلك دفترًا خاص لكلّ ما تعلّمته لكنّ تفاصيل الحسنات تُحيي القلبَ وهو رميم .
اليوم بعد التراويح .. أُسلّم على شابٍ أسمَر الوجه أبيض القلب ، قادمٍ من غانا ليدرس الشريعة عندنا ، عربيّته ثقيلة بعكس قلبه الرقيق ، طبّقتُ الأمر معه ، أخبرته أنّي دعوتُ له ، ابتَسَمَ جدًا ثم رَبَتَ على كتفي يشكرني ثمّ صَمَتَ على حين غرّة ، ثم بكى بهدوء وقال الحمد لله أنّ الدّعاء حديثُ الصّامتين وهديّةُ المتحابّين ، وإنّي أُحبّك في الله .. شَدّ في سلامه على يدي و ذهب .
- يُيَسِّر الله قلوبًا تحِن ، لقلوبٍ تئن ، حتّى تبني دواخلها بالدّعاء ، والدّعاء قُربٌ خفيّ وحُبٌّ رَضِيّ ، وسّلامُ القلبَ أرجى منَ يدٍ فارغة ، واحتضانُ صدرٍ أنّ يُكمل مشهدًا يُحييك .
أكتب هذا وأنا مذهولٌ جدًا بلُطف الله ، بتدبيره المُدهش ، كيفَ باحتضانِ قلبٍ هنا ، وَصَلَ الأجرُ لأُمّ الطِّفلِ هناك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق