يقال بأن الإنسان حيوان ناطق؛ حيوان ضاحك؛ أو حيوان اجتماعي وسواه…
بالرغم من اختلاف اللغويين والمفكرين حول ايجاد صيغةٍ واحدة لتعريف الانسان، نجد بأن معظمهم اتفقوا على منطلق واحد وهو أن الانسان حيوان يتميز بالعقل؛ له القدرة على العيش والتواصل مع أبناء جلدته بواسطة اللغة .
ولكن بالمقابل هناك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أننا عندما نريد أن نشتمَ انسان ما وأن نقلل من شأنه، نصفه بأنه "حيوان" !!
#حيونة_الانسان للأديب #ممدوح_عدوان
الانسان "الحيوان" في هذا الكتاب يتصف "بالبهيمية" بغض النظر عن شكله.. هو حيوان بتركيبته العقلية والنفسية.
الكتاب مؤلف من 21 باب و247 صفحة. جميع أبوابه تدور حول محور واحد: الوحش الكامن في أعماقنا. والكتاب بمجمله يلخص كيفية صنع الانسان الوحش..
بحَثَ الكاتب في أسباب وكيفية خلق هذا الانسان- الوحش؛ ورسم صوره العديدة المتمثلة في الجلادين.. في السلطات القمعية.. في الدكتاتوريين وأعوانهم وأذنابهم.
بهيمية الانسان تحركها العديد من المطامع. تلك الأطماع قد تكون سياسية أو مالية.. ايديولوجية أو حتى دينية…
افتتح الأديب الكتاب بالكلام عن المجازر التي حدثت على الأرض؛ تحدث عن أهوال مجزرة صبرا وشاتيلا وكيفية توزيع الأدوار فيها.
عند تقسيم المهام في أي عملية اجرامية يتم ايهام كل مجموعة بأنها تنفذ الأوامر لا غير، وبالتالي تُقنِع كل مجموعة نفسها بأنها لا تعرف ما الذي سيقوم به الآخرون من عمليات، الشيء الذي يعطل ضمائرهم إلى حين… الجاني الذي يقصف قرى أو مدناً بمن فيها بواسطة كبسة زر، يوهم نفسه بأنه ينفذ أمراً هو بمعزل عنه.. عدم رؤيته للدمار الذي حل بسبب كبسة الزر تلك تريح ضميره..
هو عندما ينفذ الأوامر يفعل ذلك إما خوفاً من العقاب، أو من أجل الحصول على المال.
الانسان بسبب الجوع والخوف والترويع ينعدم ضميره ويتحول الى وحش. وهذا ما تسعى إليه الدكتاتوريات: السيطرة على العقول بواسطة اللقمة… بالنتيجة، إن لم تتم الطاعة تلجأ تلك الدكتاتوريات إلى الاعتقال والقمع والتعذيب …
سبب آخر للعدوان هو الاحساس بالتميز العنصري والفوقية. بعد أن يتم إقناع الجاني بأن العدو من غير البشر؛ يسوّغ المعتدي لنفسه التعامل مع الضحية وكأنها دابة…
هدف المضطهِد البعيد هو قمع أهم مستلزمات حياة الإنسان المضطهَد. يريده أن يصبح كائناً نصف حي نصف ميت.. الحرية والكرامة والإرادة فوائض لا يريد له التمتع بها..
الأيديولوجيات لها دورها أيضاً في خلق الانسان الوحش. خاصةً عندما تصب تلك الايديولوجيات في مصلحة المستعمر أو الجلاد أو الديكتاتور الذي يهدف إلى ايجاد شعب نصف حي عن طريق سلبه الإرادة والحرية والكرامة، وهذا ما حدث عندما تمّ ثقب شفاه المتذمرين في أنغولا لإقفال أفواههم . الحجة المستعملة لدى المضطهِدين هي أن الانسان المضطهَد ليس شخصاً سويًا ولا يتمتع بالعقل السليم، لذا هو دائم الثورة !
أحقر ما يمكن أن يقوم به الجلاد هو التعذيب بهدف تجريد انسان آخر من انسانيته. هذا السعي وراء العنف يتم أحياناً للابتعاد عن الرتابة ولتحقيق الذات؛ وربما للحصول على الإثارة بشكل مرضي أو تعويضي نتيجةً لنقص ما؛ أو في أفضل الأحوال لإرضاء الذات، وهذا ما نلاحظه في العنف الجنسي…
غالباً ما يترافق حب تشويه الخصم بنشوة بهيمية !
أما أقبح الأسباب الكامنة وراء العنف البشري فهو التعذيب لمجرد التعذيب والاستمتاع. هنا يصبح الفعل البهيمي هو الغاية بحد ذاتها… الجلّاد والمجلود كلاهما موقع دراسة في هذا الكتاب.
يرى الأديب بأن الضارب والمضروب، كلاهما يتحولان إلى أنقاض انسان. لكن نَفْس المضروب تتداعى إلى الأسفل، وأنقاض الضارب تتهدم إلى الأعلى.
الكتاب يركّز أيضاً على قضية التعوّد. الانسان لا يتعوّد على الظلم والإجرام إلا إذا مات فيه شيءٌ ما، مثله مثل الحواس الخمس التي تأنف النتن والتلوث السمعي والبصري والأخلاقي. نتيجةً للتكرار تموت تلك الحواس وتألف التلوث.. ما نأنفه اليوم يصبح عاديًا ومألوفًا بمرور الوقت…
الرياضيون الذين حوصروا في جبال الأنديز بعد تحطم طائرتهم، لم يأنفوا من أكل جثث زملائهم وأفراد عائلاتهم للحصول على البروتين من أجل البقاء!
المثير للعجب أنهم استغربوا دهشة الطيار الذي أنقذهم بعد رؤيته للعظام المتناثرة في كل مكان.
من الجدير ذكره بأن الجرائم التي ارتُكبت بسبب الطاعة أكثر من تلك التي ارتكبت بسبب التمرد، وهذا ينطبق على الانتهاكات التي حصلت باسم شعار "مكافحة الارهاب" كما حدث في العراق وأفغانستان…
أهم ما يمكن قوله هو بأن النظام القمعي هو الذي يحوّل البشر إلى ركام بشري معتمداً على تطويعهم بخلق أفكار تأخذ بهم إلى التدمير الذاتي… العنف يولد العنف الارتدادي في المجتمع ذاته. المجتمعات القامعة تَُوَلد في نفس كل فرد من أفرادها دكتاتورًا…
يرى الأديب بأن مجتمعات ما بعد الحداثة تقهقرت لتعود بنا إلى مجتمع المرحلة البدائية الأولى وذلك بسبب تفشي شريعة الغاب.
في المجتمعات البدائية كان الانسان ينتمي إلى العشيرة والقبيلة، أما في مجتمع الحداثة فقد بات الانسان ينتمي إلى العصابة ويحتمي بها.
كما ذكرت سابقاً، الكتاب يحتوي على عدة أبواب، في بعض أبوابه تم شرح وتوصيف البلطجي، الشبيح، المتنمّر، الدكتاتور، الحاشية، المفَوَّهين أذناب السلطة، الدولة القمعية، ورجل الدين…
الكتاب فيه بعض التكرار والابواب متداخلة بعض الشيء ، لكن الكاتب معذور، هذا لأن الكتاب - بالرغم من تقسيمه- يدور حول نقطة واحدة: الطغاة والافرازات النفسية والأخلاقية والعملية التي تنتج عنهم…
عودة إلى العنف والتعذيب.
الغريب في الأمر أن مظاهر العنف شدَّت البشر منذ تأسيس المجتمعات المدنية الأولى.. هناك تواطؤ اجتماعي عام بما يخص استمتاع البشر بمشاهدة الدماء والتعذيب، وهذا يتمثل بالتجارة الرائجة لأفلام العنف والجنس ضد الأطفال ومع الحيوانات… نشاهد تلك الأفلام بحجة الفضول ولتمضية الوقت أو للدراسة الأكاديمية، لكن لا يمكننا انكار استمتاع أعداد غفيرة من البشر بها. الدليل على ذلك أن بعض الجماهير كانت تتضاجع بالطرقات عند النظر إلى مشاهد العنف والدماء؛ وهذا ما حدث خلال حفلات التعذيب في العصر الروماني!
قراءة الكتاب قد تُغني عن قراءة العديد من الكتب التي تحمل نفس الموضوع؛ هذا لأن الكتاب يغص بمقاطع استُمدت من دراسات ومقالات توثيقية وإحصاءات وأحداث واقعية تتعلق بالسجون والمجازر وسواه، كما أن فيه العديد من الحالات المستمدة من عالم الأدب والروايات؛ والأدب في النهاية هو صورة عن الواقع المُعاش، أو نقد غير مباشر له.
في النتيجة، الكاتب يصل لقناعة مفادها بأن داخل كل انسانٍ منا جانب مظلم، جانب قد يدهشنا فيما لو حاول أحدهم تحريكه أو استخراجه..
ولأن الانسان أدرك تلك الحقيقة، فقد جنح إلى الارتقاء بنفسه لطمس هذا الجانب المخيف وذلك عن طريق الأدب والفن والموسيقى والرياضة… لذا نجد بأن المجتمعات المتحضرة تُولي تلك الأمور كل الاهتمام، ولا تعتبرها كماليات وإنما ضرورات حتمية لخلق انسانٍ سويٍ ومتوازن.
على هذا الأساس بعض الرياضة قد تساعد🧘🏻♀️🤾🏿♂️…
لمَ لا نحمل قلماً ✍🏼، أو ريشة 👩🎨، أو حتى مزمار صغير🎺( على أن يكون مزمار يُطرِب ولا يُنَفِّر😉)
الصورة من موقع journalhow
في التعليقات مقاطع من الكتاب