الجمعة، 31 مايو 2024

_سايكولوجية الديكتاتور ومدى تلاؤمها مع النظام العالمي الجديد [ ١ ]

هل يصلح ديكتاتور العهود الماضية لأن يركب الموجة الجديدة ؟
الصمت لايزعجني وإنما أكره الرجال الذين في صمتهم المطبق يشبهون أولئك الذين يغلقون قمصانهم من الزر الأول حتى الزر الأخير كباب كثير الأقفال والمفاتيح  بنيّة إقناعك بأهميتهم. 
إنه باب لا يوحي بالطمأنينة وما قد يخفي صاحبه خلف ذلك الباب المصفح من ممتلكات لا يبهرني بقدر ما يفضح لي من هوس صاحبه وحداثة ثروته فالأغنياء الحقيقيون ينسون دائما إغلاق نافذة أو خزانة في قصرهم
إنما المفاتيح هوس الفقراء أو أولئك الذين يخافون إن فتحوا فمهم أن يفقدوا وهم الآخرين بهم.. الغريب في هذا الرجل أنه ككل أثرياء الحلم يترك في أعلى معطفه السميك للصمت زراً واحداً مفتوحا للوهم كباب موارب وربما كان هذا بالذات هو الشيء الأكثر إغراء فيه فهو لا يصمت تماماً ولا يتكلم إلا بقدر كسر الصمت بكلمات قليلة بعيده عن واقع شعبه إلى درجة السفاهه لتختصر اللغة .. إنه بطل جاهز لتملّك رواية أو بالأحرى لتملّك شعب ....
وهل الرواية سوى المسافة بين الزر الأول المفتوح وآخر زر قد يبقى كذلك ؟! كأنها قضية شرف تبدأ بصعوبة فتح الزر الأول وتنتهي بسهولة أن تدوس بإصبعك وأحياناً بقدمك على كل النفائس التي كانت تخفيها تلك الأزرار.
أتوقع أن يكون الديكتاتور قد ولد بمزاج عسكري وحمل السلاح قبل أن يحمل أي شيء فأين العجب في أن يكسر إرادة شعبه دون حتى قصد تماماً كما أغراه قبل سنوات دون جهد على قيادته. أليست السلطة كالثراء تجعل الحاكم أروع وأشهى ؟
أوليست الشعوب كالنساء تقع دائماً تحت فتنة البدلة العسكرية وسطوتها قبل أن تنتبه إلى أنها بإنبهارها بها قد صنعت قوتها..
صحيح أن الديكتاتور يفعل ذلك تدريجياً وبكثير من اللياقة وربما بكثير من التخطيط، وأن الشعوب تمضي نحو عبوديتها بمشيئتها ومن الأرجح دون إنتباه ، سعيدة بسكينتها.. عفواً بل استكانتها فعادة السكينة التي ينزلها الله على قلب المؤمن حتما تختلف عن سعادة الاستكانة التي تمنحها فتاة ساذجة تاركة لرجلها الدور الأجمل.. دور الرجولة التي تأمر وتقرر وتطالب وتحمي و تدافع وتتمادى. ربما وجدت في تصرفه شيئاً من الأبوة التي حرمت من سلطتها ، كما وجدت الشعوب في ابن لها ، ولو كان سفاحاً.. في أن تملأ فراغ كفالة المستعمر التي كانت تعيش في بيت أبوته..

وهكذا تبدأ العلاقة بإنبهار متبادل وبعنف التحدي المستتر
فمن الأرجح أن الديكتاتور يفكر بمنطق العسكر.. هذا إذا لم يكن أصلاً واحداً منهم إذ من يمكن أن تكون له القوة على سلب الحكم غيرهم .. وما أن يصل أحدهم إلى السلطة حتى يصر على شغل كل المناصب الرئيسية في الدولة، وكل الحقائب الوزارية الهامة إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، معتقداً أن لاأحد غيره جدير بأن يشغلها ، بل وأن وجود شخص غيره فيها هو إحتمال دائم للإطاحة به. ولهذا فهو لا يترك في حياة شعبه مساحة حرية يمكن أن يتسلل منها أحد، فقد سطا على كل الكراسي دون أن يشغل أحدها بجدارة ..
لعل ذلك ليس خطأً وإنما قصداً منه ، كي يعم التخبط إلى درجة الغيبوبة وربما السبات ... وهذا هوالمطلوب حتى إذا ماداهمه خطر خارجي هدد كيان وجوده عمد إلى إيقاظ شعبه عبر رجّات كهربية إعلاميه يدعوه بها إلى إنقاذ قامته بإسم الوطن والكرامة.. وكيف يكون ذلك بعد أن سلب الوطن من مقدراته وداس الكرامة بعقب حذائه..
_____________


_سايكولوجية الديكتاتور ومدى تلاؤمها مع النظام العالمي الجديد [٢]

وعادة يبدأ الديكتاتور باستخدام الأهداف النبيلة للوصول إلى الغايات الشريرة ( كمحاربة الإستعمار أو الاحتلال ثم الدعوة للوحدة القومية أو الدينية) آخذاً بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة حيث يعطي المشروعية لاستخدام كل الأسلحة كالحروب والاغتيالات والتفجيرات للوصول إلى الأهداف التي
تدعو لها زعامته الملهمة.. ولايتوانى عن اللجوء للعنف وسفك الدماء والزج بالمعتقلات عند أول بادرة خلاف مع الآخرين كما يقوم بتصغير وتحقير أو حتى تغييب النظام القضائي
ثم يعمل على تعيين وتوظيف أفراد السلطة التشريعية من هم من حزبه أو المؤتمرين بأمره
من ضعاف النفوس
ليحملوا رايته ويحلفون بإسمه ويجعلون همهم  في إرضائه وتشجيعه على  ماتسول له نفسه من سوء النية والعمل ..مكرسة كل ما عندها من النفاق المبتزل والتزاكي المكشوف لخدمته ، تحت اسم شعارات براقة كالديموقراطية والشورى وهنا تكمن الطامه الكبرى من هذا البلاء حيث يكون تقييم الحاكم لأعوانه في التسابق على الولاء وليس في الجودة بالعطاء .
وبذلك يتم اختزال السلطات الثلاث بشخص القائد الذي لا يخجل حتى في تحريف الحقائق الدينية والأخلاقية عن طريق حث حتى الإفتاء في تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبويه على هوى هَديِه  في سبيل تدبير أعماله الشريرة وتنتشر هذه الهيمنة إلى بقية المسؤولين والمتنفذين من كبيرهم إلى صغيرهم وتجزأ الخطط الإجرامية كما هي الأحجية المجزأة.. كلٌ يعمل في جزء بإسم حماية الوطن بحيث
يخفى على الأكثرية الصغار السذج.. الشكل الكامل لهذه الصورةالقبيحة..
وطبعاً لاينسى هذا الحاكم من ان يقيّد الصحافة وحرية الإعلام بجعلها تدور في فلك تمجيده إذ يحولها إلى وسائط دعاية له تسبّح ليل نهار بإسمه وتبرر أعماله وجرائمه فيصبح شغلها الشاغل شغل الناس عن ملاحظة النتائج الخطيرة المترتبة على ذلك من تخريب لإقتصاد البلد وبالتالي ضياع قوت وحقوق الشعب، وقد يوهم الناس أنه بصدد حل أزمه فيخلق أزمة أخرى فيضاعف بالتالي المشكلات بدل حلها خصوصاً في تحويل مشكلات في الخارج للتغطية على أخطار وسرقات الداخل إلى درجة قد تصل إلى إحداث حالات تصادم مع المجتمع الدولي بدعوى أن العالم يتآمر عليه ليكسب عطف الناس والتفافهم حوله..فبالرغم من تواجد ضائقات  في البلد يقوم بخلق حالات نقص شديد ومتكرر أو غلاء فاحش في السلع الاستهلاكية الأولية ليجعل المواطن مشغولاً  طوال الوقت بالإصطفاف لساعات أمام الفتات الذي يوفره الطاغية لشعبه المبتلى ومن وقت لآخر تقوم مخابراته وزبانيته بإظهار وإشاعة أعمال العنف الشديد أمام الملأ بقصد إخافة الناس وإرهابهم لتسليس وتسهيل
عملية قيادتهم فتسمع بين حين وآخر بأخبار التخلص من مقرّب أو قريب أو صديق ومن ثمّ القبض على فئة من المثقفين أو الموالين أو اغتيال شخصيات بارزه..  وقد يصل الأمر إلى تدمير مدينة منشقة أو قرية ناشذة..
المهم أن يبقى مسلسل الرعب
قائماً..
في نفس الوقت ترى بطانته تسرح وتمرح برغد العيش وطلب كل ما هو محرّم على الشعب بإسم التفوق القومي والنضالي إذ تُمنح لهم الاستثناءات والامتيازات ليأتوا بسلع استفزازية أمام أعين الشعب المحروم حيث المؤسسات مؤممة ووسائل الإنتاج مسيسة وموارد البلد ملك للدولة طبعاً من غير أن تدخل في ميزانية الدولة .. وكل هذه التصرفات مبررة حفظاً لأمن الدولة.. إذ لا تسمع يوماً عن وسيلة أو دائرة تعنى بأمن المواطن..
الدوائر كلها مطوّعه لأمن الدوله..!
في النهاية ينتمي هذا النوع من الحكام إلى السلالة الأسوأ من الرجال تلك التي تخفي خلف رصانتها ووقارها كل عقد العالم وقذاراته .. كأولئك الذين يجلسون جوار زوجاتهم بهيبة وصمت ثم يتركون لأقدامهم حرية مد حديث بذيء تحت الطاولة..
يحدث ذلك في بلد تدخل مقهى فيه فيرفض النادل أن يعطيك السكر وقد يطلب منك أن تشرب الشاي بدل القهوة  التي طلبتها
(نظراً لعدم توفرها في البلد)
أو تشرب السم الهاري الذي يرتئيه أو تذهب إلى بيتك وتشرب قهوتك بالسكر أو بالقطران إذا شئت..هذا إذا لم يقلب عليك فنجان القهوة.!. فمنذ عشرات السنين وهذا البلد يمكن أن يحدث لك فيه أي شيء مع نادل..فكيف إذا كان جميع الذين تُفرض عليك معاملتهم كانوا أندالا ؟
واعذروني على جمع التكسير هذا لأن صمتي أسوأ من أن أكسره لأقول شيئاً لنادل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق